في لحظة مأساوية يوم أمس الأول
, رأينا خروج جثامين شهداء جريمة فض اعتصام الثوار أمام بوابة القيادة العامة للقوات المسلحة
, يشحنون على متن سيارات الاسعاف كما اللحوم المجمدة التي في طريقها إلى السوق
, مكتوب على أكفانهم البيضاء الأرقام تعريفاً بهم
, إذ أنه لم يتم التعرف على هوياتهم كما زعمت جهات الاختصاص الطبية و الأمنية
, مع علمهم و علمنا جميعاً أنه لا شرف يداني أوسمة الفخار والتفاني و التضحية بالروح و الجسد
, ولاهوية تماثل هوية الانتماء إلى زمرة الشهداء و الصديقين و النبيين والصالحين
, لقد أشعلت جثامين هؤلاء الشهداء النار و أضرمتها من جديد في نفوس الأنقياء من ابناء و بنات الوطن
, وضجت منصات الاعلام الاجتماعي بأنين وبكاء المرهفين المسكونين بحب الانسان
, والعاشقين للانسانية التي لا تمايز بين الناس بناء على اللغة والدين و اللون و الوجه
, أو المكان الذي يقيم فيه هذا الانسان.
يا مجلسي سيادة و وزراء حكومة الانتقال
, أبدأوا فوراً في إحقاق الحق و إقامة العدل و القصاص لدماء هؤلاء الشهداء
, قبل أن تكنسكم غضبة الشارع التي كنست جبابرة ورؤوس النظام البائد
, إذا تلكأتم في إنفاذ إستحقاقات العدالة و بناء مؤسسات القضاء النزيه
, لا شك أن مصيركم سيكون هو ذات المصير الذي آل إليه كل المتراخين و المتساهلين
, الذين احجموا عن الحكم بالقسطاس المستقيم و باعوا ضمائرهم للكرسي و المال و الجاه
, من عبدة السلطة و المال من حولكم في المنطقة و الاقليم
, ولتعلموا أن المناصب و المكاتب و المساكن و السيارات الفارهات التي تمتطونها
, هبطت إليكم مقابل مهر غال و ثمن باهظ ونفيس سكبت فيه دماء طاهرة جادت بها أبدان هؤلاء المجهولين
, فثورة الشعب السوداني هذه لم تأت من أجل إعادة إنتاج المنظومات الطفيلية الفاسدة
, التي اعتادت التمرغ والعيش على عرق المقهورين وامتصاص دماء البؤساء من أفراد وجماعات هذا الشعب المكلوم.
فالثورة الديسمبرية المجيدة لن تسمح لكائن من كان أن يستكين مستغلاً إرث الشهداء
, و الشوارع التي ما خانت يوماً لن تخون أبداً
, وما زالت تمور و تفور انتظاراً لما ستسفر عنه رحلات رئيس الوزراء الخارجية و تنقلاته الداخلية
, ومافتئت تصبر على وعود رموز المجلس السيادي وقيادات تحالف قحت
, و كما يعلم القاصي و الداني
, أن هذه الثورة العظيمة محروسة بعزيمة الشباب و شجاعة الكنداكات في الأحياء و البوادي و الحضر
, وهي ثورة مختلفة كماً و كيفاً ونوعاً عن سابقاتها
, والويل كل الويل والثبور لمن ظن أنه سيجني ثمارها بالمجان
, دون أن يقدم صادق الشعور و عميق الجهد في سبيل تحقيق شعارها المعلن (الحرية – السلام – العدالة)
, فالحرية التي تم تهديدها قبل يومين عند قيام أحد بقايا النظام المقبور
, باعتراض صحفي و إعلامي ومحاولة قمعه و إلجامه ومنعه
, من القيام بواجبه المهني في تغطية مؤتمر قدوم رئيس الوزراء من جولاته العالمية
, لا يمكن أن تتحقق ومثل هؤلاء المعتوهين من الحرس القديم للنظام البائد ما يزالون يبرطعون
, بل و يمارسون دورهم الوظيفي في أعلى مستويات الجهاز السيادي و التنفيذي.
والثورة أيضاً
, إما أن تكون ثورة كاملة الدسم أو لا تكون
, خاصة بعد استكمال تشكيل حكومة الانتقال و تكوين المجلس السيادي
, لا سيما انهما الجهازان اللذان يمثلان قمة هرم السلطة في البلاد
, السلطة التي أخذت شرعيتها من الثوار الذين ذبحوا و ربطت اطرافهم بالاثقال والأحمال في ليل غادر وبهيم
, وقذفوا في أعماق مياه النيل العظيم
, أولئك النبلاء الذين لم يكملوا ليلتهم تلك وهم مفترشين حصى و تراب ساحة بوابة القيادة العامة
, صامدين وباقين على عهدهم الذي عاهدوا به رفاقهم الذين أئتمونهم على العهد و الميثاق
, و ذهبوا إلى بيوت ذويهم ليناموا على الأسرة الوثيرة آمنين مطمئنين
, بينما ظلوا هم متمترسين أمام الترس وحارسين له
, من بغي الظالمين و كيد المندسين و الخائنين و غدر الاخوان المسلمين.
وليكن ناقوس الثائر العالمي تشي جيفارا خير منبه وموقظ لثوار السودان
, في هذه الايام والليالي المدلهمات بالخطوب و التربصات
, ولتكن كلماته المتوهجة نبراساً يضيء لهم الطريق الموصل الى الحرية الكاملة التي هي المرام
, و لترفرف اعلامهم بكلماته هذه :(الثورة قوية كالفولاذ
, حمراء كالجمر
,باقية كالسنديان
, عميقة كحبنا الوحشي للوطن)
, فالأوطان لا يبنيها المتسلقون و الانتهازيون و الوصوليون و سارقي ثروات وثورات الشعوب
, إنما تبنى بتضحيات جسام كتلك التي استبسل فيها فتية يافعين لم يبلغوا الحلم بعد
, ساقتهم أرواحهم البريئة و احلامهم المشروعة إلى باب جيشهم وحامي حماهم الذي هو الآخر و للأسف الشديد فضت بكارته في ذات تلك الليلة الباكية و الدامعة.
فلا نامت أعين الجبناء و لا ارتاحت قلوب المتساهلين المتراخين في الامساك بحقوق الشهداء والثائرين
, فعلى جميع من جلسوا في أروقة هذه المرحلة الانتقالية
, أن يعلموا بأنهم مجرد موظفين يخدمون مصلحة الوطن و المواطن
, و عليهم واجب الحفاظ على منجزات الثورة و العمل على تنظيف مؤسسات الدولة من الفاسدين
, و أن يعقدوا المحاكمات الجادة والعادلة للقتلة و المجرمين و المختلسين وسارقي قوت الشعب.
عزيزي حمدوك.. إن كان اليوم لك.. فلا.. تخسر الغد
حراك متماسك و مدعوم، يساوي هزيمة حتمية لمحاولات التعويم !!